كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض.
وتأسف في قلبه.
فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذى خلقته.
الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء.
لانى حزنت أنى عملتهم.
وأما نوح فوجد نعمة في عين الرب.
هذه مواليد نوح.
كان نوح رجلا بارا كاملا في أجياله- وسار نوح مع الله.
وولد نوح ثلاثة بنين ساما وحاما ويافث.
وفسدت الأرض أمام الله وامتلات الأرض ظلما.
ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت.
إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض.
فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامى. لأن الأرض امتلات ظلما منهم.
فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر، تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه. ثلاث مائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا عرضه وثلاثين ذراعا ارتفاعه. وتصنع كوا للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لاهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك. فتدخل الفلك انت وبنوك امرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حى من كل ذى جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وانثى. من الطيور كأجناسها.
ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل اليك لاستبقائها. وأنت فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها طعاما.
ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل. وقال الرب لنوح: ادخل أنت وجميع بنيك إلى الفلك. لانى إياك رأيت بارا لدى في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وانثى. ومن البهائم التى ليست بطاهرة اثنين ذكر وانثى. ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة ذكرا وانثى. لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض. لانى بعد سبعة ايام أيضا أمطر على الأرض اربعين يوما وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الرب. ولما كان نوح ابن ستمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض. فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم الطاهرة والبهائم التى ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض. دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكر وأنثى. كما أمر الله نوحا. وحدث بعد السبعة الايام أن مياه الطوفان صارت على الأرض.
في سنة ستمائة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء. وكان المطر على الأرض اربعين يوما وأبعين ليلة. في ذلك اليوم عينه دخل نوح وسام وحام ويافث بنو نوح وامرأة نوح وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك. هم وكل الوحوش كأجناسها وكل الدبابات التى تدب على الأرض كأجناسها وكل الطيور كأجناسها كل عصفور ذى جناح. ودخل إلى نوح إلى الفلك اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة. والداخلات دخلت ذكرا وانثى من كل ذى جسد كما أمره الله.
وأغلق الرب عليه. وكان الطوفان أربعين يوما على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك فارتفع عن الأرض. وتعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض فكان الفلك يسير على وجه المياه.
وتعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض فتغطت جميع الجبال الشامخة التى تحت كل السماء.
خمسة عشرة ذراعا في الارتفاع تعاظمت المياه فتغطت الجبال. فمات كل ذى جسد كان يدب على الأرض من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات التى كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. كل ما في أنفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات. فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض. الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء فانمحت من الأرض. وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط. وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يوما. ثم ذكر الله نوحا وكل الوحوش وكل البهائم التى معه في الفلك وأجاز الله ريحا على الأرض فهدأت المياه.
وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء فامتنع المطر من السماء. ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا وبعد مائة وخمسين يوما نقصت المياه. واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط. وكانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشهر العاشر وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رءوس الجبال. وحدث من بعد أربعين يوما ان نوحا فتح طاقة الفلك التى كان قد عملها. وأرسل الغراب فخرج مترددا حتى نشفت المياه عن الأرض. ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض. فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك لأن مياها كانت على وجه كل الأرض فمد يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك. فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك. فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها فعلم نوح ان المياه قد قلت عن الأرض. فلبث أيضا سبعة ايام أخر فأرسل الحمامة فلم يعد يرجع إليه أيضا. وكان في السنة الواحدة والستمائة في الشهر الأول في اول الشهر ان المياه نشفت عن الأرض فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشف. وفي الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفت الأرض. وكلم الله نوحا قائلا: اخرج من الفلك انت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. وكل الحيوانات التى معك من كل ذى جسد الطيور والبهائم وكل الدبابات التى تدب على الأرض أخرجها معك ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض. فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه، وكل الحيوانات وكل الدبابات وكل الطيور كل ما يدب على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك. وبنى نوح مذبحا للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب في قلبه: لا اعود ألعن الأرض أيضا من اجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ولا اعود أيضا أميت كل حى كما فعلت. مدة كل ايام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل لا يزال. وبارك الله نوحا وبنيه وقال لهم أثمروا واكثروا واملاوا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء مع كل ما يدب على الأرض وكل أسماك البحر قد دفعت إلى أيديكم. كل دابة حية تكون لكم طعاما كالعشب الاخضر دفعت اليكم الجميع. غير أن لحما بجنابة دمه لا تأكلوه. وأطلب أنا دمكم لانفسكم فقط من يد كل حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالانسان يسفك دمه لأن الله على صورته عمل الإنسان. فأثمروا أنتم واكثروا وتوالدوا في الأرض وتكاثروا فيها. وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا: وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. ومع كل ذوات الانفس الحية التى معكم الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التى معكم من جميع الخارجين من الفلك حتى كل حيوان الأرض. أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذى جسد أيضا بمياه الطوفان ولا يكون أيضا طوفان ليخرب الأرض. وقال الله هذه علامة الميثاق الذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كل ذوات الانفس الحية التى معكم إلى أجيال الدهر. وضعت قوسى في السحاب فتكون علامة ميثاق بينى وبين الأرض. فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب. أنى أذكر ميثاقي الذى بينى وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد فلا يكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذى جسد. فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لاذكر ميثاقا أبديا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض.
وقال الله لنوح: هذه علامة الميثاق الذى أنا أقمته بينى وبين كل ذى جسد على الأرض. وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث وحام هو ابوكنعان هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض. وابتدأ نوح يكون فلاحا وغرس كرما. وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه. فأبصر حام ابوكنعان عورة ابيه وأخبر أخويه خارجا. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة ابيهما ووجهاهما إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما. فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير.
فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لاخوته. وقال: مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدا لهم.ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبدا لهم. وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثماوة وخمسين سنة. فكانت كل ايام نوح تسعماءة وخمسين سنة ومات. انتهى ما قصدنا إيراده.
وهو- كما ترى- يخالف ما جاء في القرآن الكريم من وجوه: منها: أنه لم يذكر فيه حديث استثناء امرأة نوح بل صرح بدخولها الفلك ونجاتها مع بعلها، وقد اعتذر عنه بعض: أن من الجائز أن يكون لنوح زوجان أغرقت إحداهما ونجت الاخرى. ومنها: أنه لم يذكر فيه ابن نوح الغريق وقد قصه القرآن. ومنها: أنه لم يذكر فيه المؤمنون غير نوح وأهله بل اقتصر عليه وعلى بنيه وامرأته ونساء بنيه.
ومنها: أنه ذكر فيه جملة عمر نوح تسعماءة وخمسين سنة، وظاهر الكتاب العزيز أنها المدة التى لبث فيها بين قومه يدعوهم إلى الله قبل الطوفان. قال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} [العنكبوت: 14].
ومنها: ما ذكر فيه من حديث قوس قزح وقصة إرسال الغراب والحمامة للاستخبار وخصوصيات السفينة من عرضها وطولها وارتفاعها وطبقاتها الثلاث ومدة الطوفان وارتفاع الماء وغير ذلك فهى خصوصيات لم تذكر في القرآن الكريم وبعضها بعيد مستبعد كالميثاق بالقوس، وقد كثر الاقتصاص بمثل هذه المعاني في قصة نوح عليه السلام في لسان الصحابد والتابعين، وأكثرها بالاسرائيليات أشبه.
5- ما جاء في أمر الطوفان في أخبار الأمم وأساطيرهم: قال صاحب المنار في تفسيره: قد ورد في تواريخ الأمم القديمة ذكر للطوفان منها الموافق لخبر سفر التكوين إلا قليلا ومنها المخالف له إلا قليلا.
وأقرب الروايات إليه رواية الكلدانيين، وهم الذين وقع الطوفان في بلادهم.
فقد نقل عنهم (برهوشع) و(يوسيفوس) أن (زيزستروس) رأى في الحلم بعد موت والده (أوتيرت) أن المياه ستطغى وتغرق جميع البشر، وأمره ببناء سفينة يعتصم فيها هو وأهل بيته وخاصة أصدقائه ففعل.
وهو يوافق سفر التكوين في أنه كان في الأرض جيل من الجبارين طغوا فيها وأكثروا الفساد فعاقبهم الله بالطوفان.
وقد عثر بعض الانجليز على ألواح من الاجر نقشت فيها هذه الرواية بالحروف المسمارية في عصر آشور بانيبال من نحو ستماءة وستين سنة قبل ميلاد المسيح، وأنها منقولة من كتابة قديمة من القرن السابع عشر قبل المسيح أو قبله فهى أقدم من سفر التكوين.
وروى اليونان خبرا عن الطوفان أورده افلاطون وهو أن كهنة المصريين قالوا لسولون- الحكيم اليونانى- أن السماء أرسلت طوفانا غير وجه الأرض فهلك البشر مرارا بطرق مختلفة فلم يبق للجيل الجديد شيء من آثار من قبله ومعارفهم.
وأورد (مانيتون) خبر طوفان حدث بعد هرمس الأول الذى كان بعد ميناس الأول، وهذا أقدم من تاريخ التوراة أيضا، وروى عن قدماء اليونان خبر طوفان عم الأرض كلها إلا (دوكاليون) وامرأته (بيرا) فقد نجوا منه.
وروى عن قدماء الفرس طوفان أغرق الله به الأرض بما انتشر فيها من الفساد والشرور بفعل أهريمان إله الشر، وقالوا: إن هذا الطوفان فار أولا من تنور العجوز (زول كوفه) إذ كانت تخبز خبزها فيه، ولكن المجوس أنكروا عموم الطوفان وقالوا: إنه كان خاصا بإقليم العراق وانتهى إلى حدود كردستان.
وكذا قدماء الهنود يثبتون وقوع الطوفان سبع مرات في شكل خرافي آخرها ان ملكهم نجا هو وامرأته في سفينة عظيمة أمره بصنعها إلهه فشنو وسدها بالدسر حتى استوت على جبل جيمافات- هملايا- ولكن البراهمة كالمجوس ينكرون وقوع طوفان عام أغرق الهند كلها، وروى تعدد الطوفان عن اليابان والصين وعن البرازيل والمكسيك وغيرهما، وكل هذه الروايات تتفق في أن سبب ذلك عقاب الله للبشر بظلمهم وشرورهم. انتهى.
وقد وقع في (أوستا) وهو كتاب المجوس المقدس أن (أهورامزدا) أوحى إلى (إيما) (وتعتقد المجوس أنه جمشيد الملك) أنه سيقع طوفان يغرق الأرض، وأمره أن يبنى حائطا مرتفعا غايته يحفظ من في داخله من الغرق، وأن يجمع في داخله جماعة من الرجال والنساء صالحة للنسل، ويدخل فيه من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين، ويبنى في داخل السور بيوتا وقبابا في طبقات مختلفة يسكنها الناس المجتمعون هناك ويأوى إليها الدواب والطيور، وأن يغرس في داخله ما ينفع في حياة الناس من الاشجار المثمرة، ويحرث ما يرتزق به الناس من الحبوب الكريمة فيحتفظ بذلك ما به حياة الدنيا وعمارتها.
وفي تاريخ الأدب الهندي في قصة الطوفان: أنه بينما كان (مانو) (هو ابن الإله عند الوثنيين) يغسل يديه إذ جاءت في يده سمكة، ومما اندهش به أن السمكة كلمته وطلبت انقاذها من الهلاك ووعدته جزاء عليه أنها ستنقذ (مانو) في المستقبل من خطر عظيم، والخطر العظيم المحدق الذى أنبأت به السمكة كان طوفانا سيجرف جميع المخلوقات، وعلى ذلك حفظ (مانو) السمكة في المرتبان.
فلما كبرت أخبرت (مانو) عن السنة التى سيأتي فيها الطوفان ثم أشارت على مانو أن يصنع سفينة كبيرة ويدخل فيها عند طوفان الماء قائلة: أنا أنقذك من الطوفان، فمانو صنع السفينة والسمكة كبرت أكثر من سعة المرتبان لذلك ألقاها في البحر.
ثم جاء الطوفان كما أنبأت السمكة، وحين دخل (مانو) السفينة عامت السمكة إليه فربط السفينة بقرن على رأسها فجرتها إلى الجبال الشمالية، وهنا ربط مانو السفيند بشجرة، وعند ما تراجع الماء وجف بقى مانو وحده. انتهى.
6- هل كانت نبوته عليه السلام عامة للبشر؟ مسألة اختلفت فيها آراء العلماء.
فالمعروف عند الشيعة عموم رسالته، وقد ورد من طرق أهل البيت عليهم السلام ما يدل عليه، وعلى أن اولى العزم من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وعليهم) كانوا مبعوثين إلى الناس كافة.
وأما أهل السنة فمنهم من قال بعموم رسالته مستندا إلى ظاهر الآيات الناطقة بشمول الطوفان لاهل الأرض كلهم كقوله: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} نوح: 26 وقوله: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} هود: 43، وقوله: {وجعلنا ذريته هم الباقين} الصافات: 77، وما ورد في الصحيح من حديث الشفاعة أن نوحا أول رسول أرسله الله إلى اهل الأرض ولازمه كونه مبعوثا إليهم كافة.
ومنهم من انكر ذلك مستندا إلى ما ورد في الصحيح عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: «وكان كل نبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» وأجابوا عن الآيات انها قابلة للتأويل فمن الجائز ان يكون المراد بالارض هي التى كانوا يسكنونها وهى وطنهم كقول فرعون لموسى وهارون: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} يونس: 78.
فمعنى الآية الأولى: لا تذر على هذه الأرض من كافرى قومي ديارا، وكذا المراد بالثانية: لا عاصم اليوم لقومي من أمر الله، والمراد بالثالثة: وجعلنا ذريته هم الباقين من قومه.
والحق أن البحث لم يستوف حقه في كلامهم، والذى ينبغى أن يقال: ان النبوة إنما ظهرت في المجتمع الإنساني عن حاجة واقعية إليها ورابطة حقيقية بين الناس وبين ربهم وهى تعتمد على حقيقة تكوينية لا اعتبارية جزافية فإن من القوانين الحقيقية الحاكمة في نظام الكون ناموس تكميل الأنواع وهدايتها إلى غاياتها الوجودية، وقد قال تعالى: {الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى} الأعلى: 3، وقال: {الذى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} طه: 50.